[ أدناه مقدمة الملف الذي أعده لـ”جدلية” الشاعر والنحات السوري أحمد اسكندر سليمان وسمّاه " الموجة الجديدة في الشعر السوري ( أثر الحرب )". يشارك في الملف كل من أحمد ودعة، أفين ابراهيم، تغريد الغضبان، دمّر حبيب، عبير سليمان، ليزا خضر، محمد دريوس، معاذ زمريق، مناهل السهوي، نور كنج وهاني نديم. وستقوم جدلية بنشر الملف على مدار الأسابيع القادمة ].
سأخبر الله كلّ شيء
قالها طفل سوري
قبل أن
يُذْبح.
سوريا ... على هذه المساحة التي يدلّ عليها الإسم قامت حضارات باهرة تشمل السومريين والبابليين والآشوريين والآراميين والفينيقيين وسوف يعبر في نسيج هذه البلاد اليونان والرومان والفرس والمصريون .. على هذه الأرض ستبنى المدن الأولى وتسن الشرائع الأولى وتكتب الملاحم الأولى والنوتة الموسيقية الأولى والأبجدية الأولى ومن أعنابها سيستخرج النبيذ الأول وتبتكر الآلهة الأولى والمنحوتات الأولى والدولاب الأول والنسيج الأول واللون الأرجواني الأول .. من فينيقيا في غربها سيستعيرون اسماً لأوروبا، وفيها سيحاول الإسكندر أن يكوّن مركز إمبراطوريته اللا متناهية، ومنها سيخرج أباطرة يحكمون روما، وفيها ستُسمى الآلهة القديمة، وفيها ستنشأ العقائد السماوية اليهودية والمسيحية .. حين يضع القارئ الخارطة الزمنية لسوريا أمام عينيه ويسأل نفسه كيف فعل سكان البلاد كل هذا .. ستكون الإجابة لأنه شعب قادر على كتابة الشعر منذ اللحظات الأولى لوجوده .. الملاحم وقصص الآلهة والأبطال صنعها شعراء كهنة كانو في حالة حوار مع الآلهة قبل أن ترسل الرسائل الكاملة وتنهي الحوار .
لم تعد سوريا وطناً منذ زمن بعيد
هي هوية مفقودة، ومموهة بألف حجاب وأحجية،
وهي مجموع هويات وعقائد لشعوب التي لم تجد صيغة التعايش المشترك حتى الآن.
أعراق من سريان وآشوريين وعرب وأرمن وأتراك وأكراد ، وديانات ومذاهب تتفرع عنها ، أو تموه نفسها بها.
هذه البلاد الغنية بكل هذا
كما بالموت
وبالشعر.
مع موجة ( الربيع العربي ) التي لطمت سوريا في منتصف آذار من عام 2011 ، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص الفيسبوك، وتوفر إمكانية التواصل مع عدد كبير من البشر، والقدرة على متابعة نشاط عدد كبير من شعراء لم يكن لهم وجود من قبل حين كان الاعتراف محصوراً بالنشر عبر الصحافة الورقية أو عبر الكتب والمجموعات الشعرية التي لم تكن تجد من يقرأها .. النشاطات الشعرية التي كانت تقيمها المقاهي الثقافية في مدن مثل دمشق واللاذقية وحمص وتلك المهرجانات التي كانت تحتفل بالشعراء وحتى المواقع الإلكترونية سيبدو أثرها محدوداً مقارنة بالأثر الذي ستحدثه وسائل التواصل الاجتماعي وستكون ظروف الحرب الدائرة في سوريا والأسئلة الجديدة التي سوف تطرح حول الهوية والعقائد والفرد عناصر مساعدة ومؤثرة في تشكل موجة جديدة من شعراء لم يكونوا معروفين على الإطلاق قبل وجودهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي ستغير أيضا وبطبيعة الحال المواقف تجاه عدد كبير من الشعراء والمبدعين بعد تكون معايير جديدة تختلف معاييرها بناء على الخطاب الذي يحمله النص، ذلك الخطاب الذي يريده القارئ واضحا كما لو أنه موقف سياسي ، وسيكون رأي القارئ مؤثراً لأنه في حالة تفاعل مباشر مع النص وبشكل علني على صفحة الشاعر في الفيسبوك .
رغم الحرب والمآسي
لن تتوقف الكتابة وعملية النشر.
سيجد كثير من الشعراء الذين أعلنوا عن وجودهم عبر الفيسبوك مكاناً لهم في المقاهي الثقافية التي لن تتوقف عن إقامة الأمسيات، وسيصدر هؤلاء الشعراء مجموعات شعرية، وستكون هناك دعوات لتوقيع تلك الكتب أو لقراءات منها كما لم يحدث من قبل..سيحدث كل هذا في الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة الحرب وتظهر صيغ اجتماعية لم تكن موجودة قبل كل هذا العدد من المهاجرين واللاجئين في كل مكان .. سيحلو للشعراء أن يمارسوا نشاطاتهم في القراءة والتفاعل كما لو أنها الحياة كما يجب أن تكون في مواجهة الحياة كما صنعها السياسيون ورجال الدين في حربهم القذرة التي اتسعت لتصبح حرباً عالمية على الأرض السورية
قبل الحرب لم يكن الشاعر مقنعاً
لكنه يعود نجماً الآن بعد انهيار صورة رجل السياسة ورجل الدين
وبعد انهيار كثير من الرموز الثقافية التي أنتجتها المؤسسات السابقة للحرب.
كيف سيظهر هذا على النص الشعري ؟
قد تكون محاولة الإجابة الآن مبكرة للغاية، وسيكون من الأجدى ايصال النصوص التي يكتبها الشعراء والتعريف بهؤلاء الشعراء الذين لم يكن لهم وجود مؤثر قبل الفيسبوك وقبل ازدياد قدرة الشاعر على التأثير والتفاعل .. قد يكون هذا الملف خطوة أولى في هذا الإتجاه أرجو أن تستمر لأن ما يقدمه هذا الملف عينة بسيطة ولكنها مقبولة في إعلانها عن وجود ظاهرة يمكن تسميتها بالموجة الجديدة في الشعر السوري بعد الحرب .